الجمهورية التونسية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة قابس
المعهد العالي للّغات بقابس، قسم اللّغة العربيّة ينظّم ندوته الدوليّة الرّابعة حول: (ﭐلْعَرَبِيَّةُ وَسُؤَالُ ٱلْقِيمَةِ)، وذلك يومي الأربعاء والخميس 3 و4 مارس 2021
الورقة العلميّة:
يظلّ سؤال القيمة ببعديه الابستمولوجي النّقدي أو الايتيقي من أبرز الأسئلة الّتي تستوجب الطّرح باستمرار لاقترانه غالبا بأزمة مّا تهدّد الوجود الإنساني. وعادة ما تطرأ على البنيات الخطابية والاجتماعية والثقافية والفنّية زمن الأزمة تحوّلات يعسر توصيفها وتقويمها اِستنادًا إلى مناهج ومفاهيم جعلت أصلا لاستقراء وقائع وأوضاع مختلفة. وفي ضوء المتغيّرات الكونيّة التي تحدث تقاطعات بيّنة بين مكوّنات الحضارة الإنسانيّة نلاحظ حضور مفهوم القيمة بقوّة في منابر الحوار الموصولة بمختلف تلك المكوّنات، ولعلّ ما جدّ وما يجدّ بسبب وباء كورونا المستجدّ (كوفيد 19) خيرُ دليل على ذلك، فقد كشفت مثل هذه الظروف عن مركزيّة القيمة في النشاط الإنساني، وأكّدت الحاجة إلى مراجعة صلتنا بهذا المفهوم من أجل إعادة تشكيله في وعينا الذّاتي والجماعي على حدّ سواء، وبالتأكيد فإنّ البحث في قضيّة قديمة جديدة لن يكون هيّنا سواء من حيث الإحاطة بالمسألة معرفيّا أو من حيث بسط السّبل لإجراء المفهوم تطبيقا.
وحدّ القيمة ذاته موكول إلى حقول معرفيّة بعضها شديد التّباعد بحيث قد لا نقوى على تجسير الهوّة بينها إلاّ بتفعيل مناهج بحث مستجدّة من قبيل الدّراسات البينيّة، فالقيمة قضيّة عابرة لتلك الحقول، إذ هي قضيّة مطروحة في الفلسفة، والمنطق، والرياضيّات، وفي الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النّفس، واللّسانيات، والتداوليّة، والنّظم التّعليميّة، وفي الجماليات والفنّ ولا سيما الأدب شعرا ونثرا...
ولا مرية في أن تكون الطروحات مختلفة وربّما متباينة بين حقل معرفيّ وآخر، بل وحتّى داخل الحقل الواحد حيث تعدّدُ التصوّرات والنظريّات والمناويل أحيانا بعدد الباحثين والمفكّرين وأصحاب النّظر، واختلافها باختلاف الحقبات التاريخيّة والعصور الابستمولوجيّة، منذ النظريّات الأولى حتّى اليوم.
وقضيّة القيمة قديمة قدم الإنسان، ولكن يمكن التأصيل لها معرفيّا بأنّها قضيّة فلسفيّة بالأساس موصولة بالبحث في الخير والحقّ والجمال، ارتبطت في الفلسفة الإسلاميّة مثلا بشيء من الموروث القيمي لفلسفة الإغريق استلهم منه ابن رشد فلسفته في الأخلاق ووافق أفلاطون في اعتبار الحكمة والعفّة والشّجاعة والعدالة هي الفضائل الأساسيّة، وعلى أساس منه بنى الفارابي تصوّره للمدينة الفاضلة التي يحكمها نبيّ إمام تساوقا مع أصول قيم الإسلام. وحُدَّتْ في الفلسفة المعاصرة من خلال علاقتها بالوجود اتّصالا وانفصالا؛ فبدت مع لافيل (1883-1951) Louis Lavelleوفورست (1898-1983) Aimé Forest مثلا سمة مميّزة له، فيما عدّها جول لانيو (1851-1894) «الواقع المطلق الّذي نبحث عنه»، وقدّم رالف بارتون بيري R.B.Perry (1876-1957) «النظريّة العامّة للقيمة» مَعْرِضًا لفلسفة القيم ونظريّةً في حضارة الإنسان ضمن الفلسفة الواقعيّة الجديدة... بينما لا تعدو قيمة كلمة أو عبارة مّا في علم المنطق دلالتها الحرفيّة أو الضمنيّة، وأمّا في الرياضيات، فليست إلاّ تعبيرا رقميّا يحدّد مجهولا أو يمثّل حالةَ متغيِّرٍ. أمّا في علم الاجتماع فغالبا ما تحدّد بما يفضّله النّاس من الخصال في ثقافة مّا عصارةً لظروف الاجتماع، وتتّسم بالشموليّة لتكون بمثابة المبدأ العامّ. وأمّا في علم النّفس، فهي أحد مكوّنات الشخصيّة المؤثّرة في سلوكات الفرد وعلاقاته وتوجّهاته.
وأمّا في اللّسانيات، فقد بيّن دي سوسير «أنّ اللّغة لا يمكن أن تكون إلاّ نظاما من القيم المحض» وتساءل عن إمكان الترادف بين قيمة الكلمة تستمدّها من تمثيلها لفكرة مّا وبين الدّلالة، وانتهى إلى أنّهما مختلفتان. وأمّا في المقاربة التداوليّة فقد ارتبطت القيمة مع سيرل مثلا بالوعي؛ فـ«إذا قيّمنا الحياة والعدل والجمال والبقاء والتّفاعل فإنّنا نقيّمها فقط بوصفنا كائنات واعية»، وتتّصل في أدبيّات نظريّة المجاملة politeness theory ضمن التّداوليّة الاجتماعيّة بمفاهيم عامّة كالتأدّب والتخلّق واللياقة وبأخرى خاصّة كالوجه the face موجبا وسالبا، أو بمفاهيم تمسّ علاقة الأعمال اللّغويّة بالغاية الاجتماعيّة كالتنافسيّة وأدب التّرحيب أو المناصرة والدّعم والصّراع. فيما يمكن أن نتحدّث مع البلاغة الجديدة عن القيمة الحجاجيّة الّتي يستحيل بها أيّ خبر عاديّ قولا مؤثّرا أو مقنعا قد ينتهي إلى تغيير رأي أو سلوك، أو تعديله، هذا فضلا عمّا جاءت به اللّسانيات العرفانيّة بخصوص الاستعارات التي لا تعدو كونها بنية تصوّرية قد تكون لها حسب لايكوف وجونسون «قوّة في تحديد الواقع» تطرح بخصوصها مسألة الصدق باعتبار ما له من «قيمة حيويّة»...
وفي الجماليات والفنون، ولا سيما الأدب، سخّر الشعر منذ القديم آلياته الخطابيّة لترسيخ منظومة قيميّة معيّنة، فاستهدف شعراء الجاهليّة مثلا مجموعة من القيم تدور أغلب تفاصيلها حول مفاهيم مختزلة لمتواليات المعاني الشعريّة من قبيل الفتوّة والمروّة، والصّعلكة وغيرها؛ وفي النثر القصصي احتفت نصوص كثيرة بالقيمة احتفاء صريحا حتّى صارت مناهل للاغتراف من معتّقها، وباتت علاقتها بها رمزيّة شأن القيم المؤسّسة لصلاح الملك والعمران في كليلة ودمنة، أو قيم الحبّ في طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، أو أصبحت موجّهات لتلافي أراذلها مثل قصص البخلاء للجاحظ أو أخبار الحمقى والمغفّلين لابن الجوزي... وغير ذلك كثير، بل قد لا نجد أثرا أدبيا يقطع مع القيمة إغراء بمحمودها أو تحذيرا من رذيلها. وفي العصر الحديث شاعت مفاهيم مثل "القيمة المهيمنة" مع الجيل الثّاني للشكلانيين الرّوس بحيث لا تعدو تلك القيمة أن تكون بؤرة الأثر الأدبي المحدّد لجنسه، وعدّ الشّعر لدى رومان جاكبسون نظاما من القيم المنتظمة في تدرّج مخصوص من العليا إلى السّفلى تتخللّها القيمة المهيمنة التي على أساسها نفهم الشعر ونفكّ شفراته، كأن تكون الوزن أو القافية أو الصّورة أو النّبر... وكلّ منها قابل لأن يستقلّ بالدّرس.
وأمّا من المنظور الدّيني فقد وصف القرآن الدّين بالقيم أو القيّم: ﴿قُلْ إِنَّنّي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا﴾ حيث القيمة هي تمام الاستقامة ودرء الاعوجاج خُلقا وسلوكا تماهيا مع جوهر التديّن الموصول بالتقوى المحقّقة أبدا لخيريّة المؤمن. ولا تقلّ القيمة منزلة في سائر الشّرائع والأديان، فهي محور تعاليمها عموما...
وبناء على ما عرضناه تنبيها إلى سعة القول في القيمة باعتبارها قضيّة عابرة للمعارف اتّضح لنا أنّ طرح سؤال القيمة على الباحثين بمختلف تخصّصاتهم يمثّل فرصة لمناقشتها من زوايا نظر مختلفة تؤدّي حتما إلى تشكيل مسترسل من وجهات النّظر المتفاصلة حينا المتشابكة حينا آخر في تدامج قد لا تبين خيوطه الناظمة إلاّ عبر تفاعل وجهات النّظر تلك وما يؤلّفها من أفكار. علما أنّنا نروم الانتهاء إلى اختبار قدرة العربيّة لغة وأدبا وثقافة في الاستفادة من التطوّر الهائل للمنظومات القيميّة اليوم ونتائجه في ضوء عالم متغيّر لا تهدأ حركة تغيّره. ونسعى إلى فتح آفاق لنقاش يقصد إلى مراجعة قضيّة القيمة باعتبارها قضيّة إنسانيّة عامّة تتداخل في طرحها حقول معرفيّة وتخصّصات مختلفة، ويسعف بفهم الخيط النّاظم لمختلف المفاهيم الموصولة بمصطلح القيمة وتفسير التوارد الغزير للمفاهيم على هذا المصطلح بشكل لافت للنظر رغم التباعد الظاهر بين التخصّصات التي تستعمله وتتبنّاه، كما يرمي إلى فكّ الالتباس عن قيمة القيمة في العلوم الإنسانيّة، وتوضيح دورها في تجسير الهوّة بين تبنّي الآراء والتصوّرات من جهة وإجرائها العملي من جهة ثانية، ورفع الإبهام عن مفهوم القيمة وعلاقته بمفاهيم مجاورة كثيرا ما اختلطت به كالمثل والأخلاق...، فضلا عن فهم التجلّيات المختلفة للقيمة، وتعدّد الأفهام المقترن بتعدّد مجالات التفكير، وسبل الاستفادة من ذلك، واكتشاف حظّ القيمة من بناء الخطابات على اختلافها: أدبي، علمي، تربوي تعليمي، سياسي، إعلامي...
وسعيا إلى تحصيل أهداف النّدوة نقترح المحاور التّالية:
- القيمة بين الدّرس اللّغوي القديم والدّرس اللّساني الحديث:
- القيمة بين المصطلح والمفهوم.
- الأصوات والصّيغ والتراكيب كيف تكون حاضنة للقيمة؟
- إنشاء القيمة وصلته بالسياق ومقامات التّداول الكلامي.
- تشكيل المعنى وصناعة القيمة.
- صلة القيمة بالعرفان اللّغوي/ القيمة وبناء الاستعارات التصوريّة...
- منظومة القيم وتشكيل الخطابات: الخطاب الإعلامي، السياسي، التعليمي...
- القيمة وتعليميّة اللّغات (للنّاطقين بها وبغيرها).
- القيمة ونشأة الأجناس الأدبيّة.
- القيمة في الشّعر قديما وحديثا.
- الأدب الحديث وتجديد القيم (أدب الثورة، أدب المهجر...)
- القيمة في الأدب الرّقمي.
- مراجعات نقدية لمحددات القيمة ومعاييرها في المباحث النقدية...
- القيمة في الثقافة والدّراسات الحضاريّة:
- القيم وتعدّد المرجعيّات
- الدّين والقيم.
- القيمة في الفكر السّياسي والاجتماعي قديما وحديثا.
- القيم والهويّة
- القيم والعولمة (القيم بين الخصوصي والكوني)...
- الثابت والمتحول في القيم الثقافية.
- مراجعات نقدية لمحددات القيمة ومعاييرها في المباحث الثقافية.
وتبقى للباحث حريّة التفاصيل على ألاّ ينقطع عن أهداف النّدوة ومحاورها الكبرى.
- لجنة التنظيم:
- منسّقا النّدوة: الأستاذان الصّحبي هدوي والحسني غابري.
- أعضاء اللّجنة: الأساتذة محسن بالحسن، خلود كنيس، خالد سعيد
- اللّجنة العلميّة: الأساتذة:
- رضا بن حميد، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة - تونس.
- الشّاذلي الهيشري، كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة، تونس.
- منجيّة عرفة منسيّة، المعهد العالي للّغات بتونس.
- علي الصّالح مولى، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس، تونس.
- سمير السحيمي، كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة، تونس.
- محمد الصّالح البوعمراني، المعهد العالي للدّراسات التطبيقيّة في الإنسانيات بقفصة، تونس.
- عبد المالك بلخيري، كليّة الآداب، جامعة الجلفة، الجزائر.
- منجي العمري، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، تونس.
- وسام العريبي، كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة، تونس.
- الحسني غابري، المعهد العالي للّغات بقابس، تونس.
- منجي القلفاط، المعهد العالي للّغات بقابس، تونس.
- كمال الزّيتوني، المعهد العالي للّغات بقابس، تونس.
- سليم العمري، المعهد العالي للّغات بقابس، تونس.
- شروط المشاركة: (تكون بالحضور أو عن بعد، ويحدّد ذلك في الإبّان بناء على مستجدّات الوضع الوبائي)
- الالتزام بإشكالية الندوة، وإعداد بحث في أحد محاورها، على أن يكون خاصّا بهذه الندوة حصرا.
- تكتب البحوث ببرنامج (word)، بخط (Simplified Arabic) بحجم 14 في المتن و12 في الهوامش، على ألاّ يتجاوز الملخّص 400 كلمة، ويتراوحُ حجم الورقة العلميّة بين 15 و20 صفحة.
- تُرفق الملخّصات بسير ذاتيّة مختصرة تعرّف بأصحابها (في حدود 200 كلمة).
- تخضع جميع البحوث للتّحكيم العلميّ، ويتعهّد أصحاب البحوث المقبولة بإجراء التعديلات التي تقترحها لجنة التّحكيم عند الاقتضاء في آجال يقع الإعلام بها في الإبّان.
- يتلقى أصحاب البحوث المقبولة دعوة رسمية للمشاركة في أشغال النّدوة، سواء حضوريّا أو عن بعد.
- تتعهّد الجهة المنظّمة بنشر أعمال الندوة بعد تنقيح البحوث وفقا لملاحظات لجنة القراءة والتّحكيم.
- رسوم المشاركة: 300 د.ت أو ما يعادلها للمشاركين من خارج تونس، و150 د.ت للمشاركين من تونس، على أن تتكفل الجهة المُنَظِّمة بنفقات الإقامة للمشاركين من الخارج.
التّواريخ:
- آخر أجل لقبول الملخّصات: الثلاثاء 10 نوفمبر 2020.
- الردّ على الملخّصات: قبل الجمعة 20 نوفمبر 2020.
- آخر أجل لقبول البحوث في صيغتها النهائيّة: الجمعة 15 جانفي 2021.
- الردّ على البحوث كاملة: قبل الأربعاء 10 فيفري 2021.
- تاريخ انعقاد النّدوة: الأربعاء والخميس؛ 3 و4 مارس 2021.
الاتّصال:
- تُوَجّهُ المشاركات على البريد الالكتروني للندوة: nadwa_islg2021@yahoo.com
- ولمزيد الإرشادات يمكن الاتّصال على الهاتف أو الواتسآب: 9721276200216