تكتسي دراسة الشخصية الترابية بصفة عامة والجهوية منها على الخصوص، أهمية بالغة، باعتبار التحولات السريعة التي تشهدها في الوقت الراهن، مختلف الكيانات المجالية الوطنية والجهوية والمحلية، في علاقة مع متطلبات الانفتاح الاقتصادي وضغوطات العولمة وعواقبها الثقافية والاجتماعية... لقد أضحى اليوم موضوع الشخصية الترابية على الصعيد العالمي في قلب استفهام الشعور بعدم الاطمئنان من جهة، وفي لب الاستراتيجيات الاقتصادية والتنافسية والتوجهات السياسية من جهة ثانية. وفي هذا الصدد، تصدر سؤال الشخصية الجهوية السياسات الترابية المعتمدة حيث غدت تمثل رهانا لنجاح أو فشل الخطط والبرامج التنموية المعتمدة، وأصبحت تطرح بموازاة ذلك، وباستمرار، قضية وحدة الإقليم أو الجهة وتجانسها وتماسكها وعبقريتها وتنافسيتها، وتتخذ القرارات الكفيلة بإتاحة تبلور الهويات الجهوية، وتوفير الشروط واستصدار القوانين الكفيلة بتحقيق ذلك.
والمغرب، لم يخرج عن هذا التوجه في سياساته الجهوية المعتمدة منذ بداية السبعينيات. وإن لم ينص القانون المنظم للجهوية وخاصة في صيغتها الموسعة بشكل مباشر على ذلك، فإنه أوكل للجهة في إطار الاختصاصات الذاتية والمشتركة على السواء مهام تحسي جاذبية المجال الترابي للجهة، وتقوية تنافسيته الاقتصادية. وأسند لها بخصوص الثقافة صلاحية الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية، وصيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية، وإعادة الاعتبار للمدن والأنسجة العتيقة، والإسهام في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها، وتنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية، والمحافظة على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والمناطق المحمية وإنعاش السياحة.. الخ. والواضح، أن كل هذه المهام تصب في النهاية في مشروع بناء أو إعادة بناء كيانات جهوية تقوم على الخصوصيات الجهوية البيئية والتراثية والثقافية والإمكانات والميولات الاقتصادية، خاصة وأن مناخ الاستثمار اليوم أصبح يبحث أكثر من أي وقت مضى عن مؤهلات الفاعلين المحليين والجهويين في الاستقطاب الاستثماري.
وسجل البحث الجامعي في العلوم الإنسانية بالمغرب نوعا من الريادة في الاهتمام بموضوع الشخصية الجهوية ومقوماتها الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية المختلفة. وتعددت على هذا المستوى المعالجات النظرية والامريقية، وجاءت في صيغة منوغرافيات أحادية التخصص أو أبحاث ذات طابع شمولي وتكاملي أو دراسات لإشكاليات وظواهر ذات امتداد محلي أو إقليمي. وأ سهمت بإضافات علمية رصينة من حيث المعرفة المنتجة حول تكوّن الكيانات الجهوية وديناميتها ومردوديتها ودرجة فعاليتها.
وقد حظيت جهة سوس، موضوع هذه الندوة، باهتمام مبكر من قبل الباحثين الجامعيين في مختلف التخصصات العلمية، حيث ألف عنها من قبل الجيولوجيين والهيدرولوجيين والنباتيين والمناخيين والاقتصاديين والأدباء وكتاب التراجم والمؤرخين والجغرافيين والاجتماعيين والإنثروبولوجيين وغيرهم. وباستقراء الرصيد العلمي المنتج حولها خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية الألفية الحالية، يلاحظ أنه لا توجد دراسة علمية تركيبية تناولت بمنهاج منظومي ودينامي، موضوع الشخصية الجهوية السوسية، بمقصد التعريف بسماتها وخصوصيتها، باعتبار المجال السوسي إقليماً، ينفرد في التراب الوطني بوجود كثير من عناصر الاستمرارية المرتكزة على سيادة رؤيا وحياة مشتركة ترصصها هوية جامعة، وذلك بالرغم مما ميز مسار تطوره من تجدد وتنويع، ومما شهد كذلك حال نظامه الاجتماعي وطابعه الثقافي من تغيّر.
وفي الواقع، يمثل سوس منطقة متميزة في التراب الوطني، تستمد خصوصيتها من قدم تعميرها وتطورها التاريخي وموقعها الجيوسياسي ومميزاتها الطبيعية والبشرية والاقتصادية. وقد جعل منها تضافر هذه العوامل في مختلف أشكاله، منطقة، يطبع منحنى تطورها كثير من مظاهر الاستمرارية، وان تخللها منعطفات قطيعة متواصلة، تعا عنها سيرورة تحولاتها التي لا تتوقف، ومظاهر تنظيمها المجالي التي لا تثبت على حال. وتعتبر هشاشتها الطبيعية وإمكانياتها المائية المحدودة، وخصوصية العنصر- البشري بها من جهة، وتغيّر حدودها وموقعها الاقتصادي في خريطة البلاد تبعاً للظرفيات السياسية من جهة ثانية، من العناصر الثابتة التي تحكمت في كينونتها ومسار تطورها.
إن التقاء وتفاعل مختلف العوامل، الثابت منها والمتغير، التي تحكمت في سيرورة تطور هذا الحيز الجهوي، قد أدت إلى تبوئه، بنوع من الاستمرارية، مكانة خاصة في التاريخ السياسي وفي الحياة العلمية والثقافية والحضرية بالمغرب. فالحياة بهذا المجال المغربي، تعود إلى فترات موغلة في القدم، فمنذ أن عرف في التاريخ وكتب عنه المؤرخون والرحالة، إلا ووصف ببلاد المدن والخيرات والنعم، وجيء بأخبار رجالاته وبواديه وحواضره، الباقي منها والمندثر، وأشيد بقاعدته التاريخية تارودانت…
ويشكل الاستعمار الذي جثم على صدره خلال النصف الأول من القرن العشرين، أبرز حلقة انقطاع في تاريخه. صحيح أن ما شهده من تحولات بعد إلحاقه بالرأسمال الاقتصادي الدولي وقطار العولمة سنة 1912 ، مع كل ما يرتبط بذلك من زرع لآليات التغير
الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيئي، لا يكن فصله عن السياق العام لما جرى بالمغرب طيلة هذه الفترة، رغم تأخر انطلاقته الفعلية إلى بداية الأربعينيات، والتعثر الذي أصابه على إثر نكسة زلزال مدينة أ كَادير سنة 1960 ، فإن الطفرة الاقتصادية والطفح الحضري الذي عرفه كان باهرا واستثنائيا في المشهد الوطني.
لقد تزايدت قطيعة سوس مع الماضي طيلة القرن العشرين وبداية الألفية الحالية، حيث انتقل من إقليم تاريخي قديم، منغلق نسبياً على نفسه ومنشغل أحياناً بصراعاته القبلية الداخلية، وأحيانا أخرى بعلاقاته غير الودية مع الحكم المركزي، وإن كانت تسجل له إسهامات بارزة ومتواصلة في الحياة السياسية والعلمية بالبلاد، إلى جهة اقتصادية وظيفية ترتكز على وجود منظومة حضرية ناشئة تقودها العاصمة أكادير الكبرى. وقد تقوى دور هذه الجهة بالتراب الوطني، وخاصة بعد 1975، تاريخ استرجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية الغربية، وأضحت تمثل، من جهة، أحد أهم الأقطاب الاقتصادية الأكثر دينامية واستقطابا للسكان والاستثمارات الوطنية والدولية بالمغرب، ومن جهة ثانية، وعاء جديدا للاندماج والانصهار الاجتماعي والثقافي بالمغرب.
وجاءت هذه الحصيلة نتيجة الدينامية الداخلية القوية التي عرفتها هذه المنطقة، والتي واكبت الجهود التي بذلت بها في إطار السياسات العمومية المعتمدة من أجل تقوية قطاعات السياحة والفلاحة والصيد البحري والصناعة والقطاع الثالث الممتاز، وكمآل للبرنامج الإنمائي المواكب المنجز في ميادين التجهيز والتأطير الإداري والاجتماعي والثقافي والجامعي والاقتصادي والمالي والسياسي، وعلى مستوى تنشئة ورعاية القطاع الخصوصي وتوفير شروط استقطاب الاستثمار وتراكم الرأسمال.
وفي مقابل كل هذا، يواجه حيز سوس اليوم في حدودها المجالية الحالية عد تحديات وعوائق تدبيرية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وبيئية...، والتي تؤثر سلبا من جهة، على مناخ الأعمال والاستثمار وتعرقل مسار تنفيذ البرامج الإنمائية، ومن جهة ثانية، على صورة خصوصية واستثنائية اللحمة والشخصية الجهوية السوسية الجديدة على المستوى الوطني، وعلى مردودية هذا الإقليم وتثمين مقدراته الإنتاجية، وكذا على مستوى تنافسيتها على الصعيد الدولي. أضف إلى ذلك، الصعوبات المتصلة بتعثر بلورة تصور تنموي ترابي صاعد، مرتبط إنتاجا وتسويقا بمفاهيم الثقافة والهوية التي تخدم التنمية الجهوية الشاملة، وتتيح الإنماء الثقافي والفني القائم على تثمين الموارد التراثية وحفظ الذاكرة، وتقوية المنتوج الإبداعي المتصل بالمسرح، والتشكيل والسينما والموسيقى والإبداع الأدبي والطباعة والنشر والقراءة...، وكل هذا، بمقصد إتاحة الإنتاج الثقافي والولوجية إليه، باعتباره الغذاء الروحي الضروري لتقوية الشخصية الجهوية وتعزيز الروابط التربوية والأخلاقية والسياسية والهوياتية بها في إطار الوحدة الوطنية.
وتمثل هذه الورقة أرضية لندوة سوس الدولية التي تنظمها كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر خلال أيام 14 ، 15 ، 16 ديسمبر 2017 ، والتي تهدف إلى الوقوف على جديد البحث في الشخصية الجهوية لسوس من خلال استجلاء مظاهر الاستمرارية والتجدد في آليات تكون هذه الشخصية وسيرورة تطورها عبر التاريخ، ولكن أيضا في خصوصياتها التراثية وسماتها الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والعمرانية والبيئية، إ الى جانب تجليات تأهيلها وتثمين دورها في حياة العلاقات الداخلية والدولية للجهة، وكل هذا في ضوء المتغيرات التي يشهدها عالم اليوم من انفتاح اقتصادي واجتماعي وإعلامي...
وتقترح هذه الورقة محاور التفكير التالية :
1- تكون الشخصية السوسية وملامحها
- سيرورة تكوين وتطور الشخصية الجهوية لسوس.
- مقومات الشخصية الترابية السوسية (الطبيعية والبشرية والتراثية واللغوية والتاريخية والعلمية والثقافية والأنثروبولوجية والسيكولوجية...).
- ملامح الشخصية السوسية التقليدية : القبيلة والجماعة، العصامية السوسية، العلم والصلاح، الحس الوطني والوعي الوحدوي...
- الاستعمار والهوية السوسية.
- المواصفات الجديدة للشخصية الجهوية السوسية (سماتها الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والعمرانية والبيئية...).
- عناصر الاستمرار والتجدد في الوعي بالشخصية والهوية السوسية ( الإحساس بالانتماء).
- ...
2- القيم في الثقافة السوسية
- منظومة القيم الأصيلة ودورها في بناء الشخصية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السوسية...
- التعايش بين الأديان بسوس.
- وحدة المذهب.
- الصوفية السوسية- مظاهر التدين.
- الجماعة التقليدية.
- المؤسسات المجتمعية.
- قيم التعاون والتضامن وتقسيم العمل في الحياة السوسية.
- تدبير الندرة والمحافظة على البيئة في الثقافة السوسية.
- قيم المال والثروة والجاه العلمي في المجتمع السوسي.
- جديد منظومة القيم بسوس: المجتمع المدني،...
- ...
3- الشخصية السوسية في الإبداع الفكري والأدبي والإعلامي والتعبيرات الثقافية
- الثقافة السوسية في التعبيرات الإبداعية: المسرح، السينما، فن التشكيل، الشعر، الرواية، فن الموسيقى والغناء ، الضحك والسخرية، الحكايات والأمثال، اللباس والحلي ...
- المرأة السوسية والإبداع.
- الإنتاج الفكري والعلمي.
- التأليف الفقهي السوسي (النوازل السوسية،...).
- ...
4- مدن ومراكز بسوس -
- ذاكرة الشخصية الحضرية بالمدينة القديمة.
- المواصفات الراهنة للشخصية الحضرية: السمات المجتمعية والاقتصادية والعمرانية والمعمارية والمجالية...
- الهويات بالمدينة والثقافة الحضرية: الهويات الحضرية الجديدة- أشكال التعبيرات الهوياتية- الممارسات اللغوية في المجال الحضري، القبيلة والهوية السياسية بالمدينة، الهجرة والهوية، الجمعية والعلاقة مع المجال، الإقامات السكنية الجماعية المحروسة...
- شبكات التواصل الاجتماعي والهوية الحضرية.
- الهوية المشهدية : التأثيث الحضري، الفضاءات العمومية.
- ...
5- الأرياف السوسية
-ذاكرة الشخصية الريفية التقليدية- المدارس العتيقة- نساء بادية سوس.
- المواصفات الراهنة للشخصية الريفية : السمات المجتمعية والاقتصادية والمعمارية والمجالية... (العلاقة بالأرض، السكن، الشغل، ...)
- الهويات الجديدة بالأرياف: أشكال التعبيرات الهوياتية، الهجرة والهوية، الجمعية والعلاقة مع المجال،...
- التحديث الزراعي والمجتمع الريفي.
- البادية والتحولات المناخية.
- ...
6- التأطير الاجتماعي والمجالي والأداء الاقتصادي
- التنمية الإنسانية.
- الخصوصية الجهوية في التعليم (التعليم العتيق والعصري).
- سوس في البحث العلمي الجامعي.
- التحديث الزراعي- التجميع الفلاحي- الاقتصاد التضامني.
- الدعم التقني الدولي.
- الأداء الاقتصادي (الفلاحة والصيد البحري والصناعة الغذائية والسياحة) كعنوان للتميز الجهوي.
- التجارة (التسويق والتصدير)، النقل المينائي والجوي.
- الفاعلون الاقتصاديون- الاستثمارات الأجنبية- العائلات الاقتصادية.
- المرأة والاقتصاد (المقاولة العصرية، الاقتصاد التضامني...).
- الاقتصادي الجهوي والعولمة.
- ....
7- إشعاع الشخصية الجهوية السوسية
- علماء ومفكرو وأدباء سوس بالمغرب والعالم قديما وحديثا.
- الوقف السوسي.
- الثقافة السوسية بشمال أفريقيا وجنوبها.
- الإسهام السوسي في مقاومة الاستعمار والحياة السياسية.
- الهجرة السوسية بالمغرب والعالم وآثارها التنموية الجهوية.
- رجالات التحديث الفلاحي والاقتصادي بالمغرب المتحدرين من سوس.
- الثقافة والأعراف السوسية في التشريع المغربي.
- الشخصية السوسية في المخيال الشعبي والإنتاج الفني والإبداعي بالمغرب.
- الحضور والنفوذ الاقتصادي السوسي بالمغرب والعالم (التجارة، الصناعة، السياحة ...
- سوس: قطب اقتصادي دولي.
- ...
8- استدامة الشخصية السوسية في مواجهة العولمة والتحديات البيئية والعمرانية
- الشخصية السوسية والتحديات البيئية والتغيرات المناخية.
- الشخصية السوسية والعولمة.
- الشخصية السوسية والتعددية اللغوية والثقافية.
- الهوية الجهوية والهوية الوطنية.
- جهود تقوية وتحصين على الشخصية السوسية.
- سوس اليوم: هوية جهوية متعددة ومركبة.
جدولة الندوة:
- توجه استمارة تأكيد المشاركة في الندوة قبل تاريخ 15 يونيو 2017 (استمارة المشاركة في ملف مرافق).
- يبعث نص المداخلة الكامل قبل - 15 أغسطس 2017 للسيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية- أكادير- على العنوان الإلكتروني التالي: decanat.flshagadir@uiz.ac.ma
- تنشر أعمال الندوة يوم انعقادها في كتاب خاص، وفق المواصفات التالية: حجم المقال (10 إ الى 15 صفحة من الحجم المتوسط A4 )؛ الخرائط والرسوم البيانية باللونين الأبيض والأسود وفي حجم الورقة؛ اعتماد شروط التوثيق المعتمدة دوليا فيما يتعلق بالمصادر والمراجع والإحالات (طريقة شيكاغو)؛ ينجز نص المداخلة على نظام تشغيل WORD .
ملحوظة : للاستفسار عن أي جزئية أخرى بخصوص الندوة المرجو الاتصال برقم الهاتف التالي:
0662685345 أو بالعنوان الإلكتروني: decanat.flshagadir@uiz.ac.ma