الإشكالية، الأهداف، المحاور والضوابط:
المتخيّل نتاج إنسانيّ يتجلّى فيه أثر الفرديّ الذّاتيّ المتلبّس بتجربة المجموعة وأعرافها، ويبرز فيه أثر الجماعيّ ومحمولاته الرّمزيّة. وعلى قدر اتّساع المتخيّل لتجربة التّخييل ببعديها الفرديّ والجماعيّ يمثّل مادّة حيّة ثرّة على الدوام هي موضوع اختصاصات عدّة تمتدّ فروعها لتشمل ما هو فنّيّ جماليّ أدبيّ وإبداعي من ناحية، وما هو تاريخيّ وفلسفيّ وفكريّ ودينيّ واجتماعيّ وسياسيّ من ناحية ثانية.
وعلى قدر ما يبدو المتخيّل مدفوعا بالرّغبة السافرة أو المقنّعة، مسيّجا بالوضعيّة التّخييليّة، فإنّ أبعادا تأويليّة تحرّكه وتحفّزه وقد تكون في جزء منها غير واعية. وهذه المحفّزات التّأويليّة كامنة في صميم المتخيل إلى درجة يعسر فيها التّمييز بينهما، فالتأويل قد يتّخذ من المتخيل المركوز في ذاكرة الفرد أو الجماعة مادة ينطلق منها في معالجة صورة أو عبارة أو نص أو خطاب مّا، وقد يتحوّل فعل التأويل بدوره صانعا مبتكرا منشئا لمتخيل جديد بتوليده معاني مستطرفة مستحدثة غير مألوفة. ومن ثمّ يكون فعل التّخييل فعلا تأويليّا في جوهره. وبين التّخييل والتّأويل سجال ضروريّ تفرضه طبيعة المسارين بوصفهما في الأصل مسارين نفسيّين تؤسّسهما قدرات ذهنيّة عرفانيّة هي من مميّزات الذّكاء البشريّ والإبداع الإنساني.
فللمتخيّل الدّينيّ مثلا خصائص تميّزه ووظائف ينهض بها، فضلا عن أسس يستند إليها أو أصول يتولّد منها، وهي بين الخطاب والذّاكرة الجمعيّة بما في ذلك الأسطوريّ والخرافيّ والرّمزيّ والتاريخي والاجتماعي والنفسي.. وكلّ متخيّل هذه منطلقاته، مهما تكن مساهمة الجمعيّ فيه، تأويل في الأصل لمادّة تخييليّة متاحة هي الموضوعيّ بحكم أسبقيّته وانتمائه إلى المجموعة الثّقافيّة، ولكن تدفعه رغبة ذاتيّة وتسيّجه خصوصيّة المؤوّل على النّحو الّذي يكتسي به فردانيّته، ومن ثمّ يتحرّر، ولو إلى حين، من إكراهات الاتباع وإغراءات المحاكاة.
فالتّخييل والتّأويل ليسا من هذا المنظور إلاّ وجهين لعملة واحدة، لارتباط كليهما باللغة فهما نشاطان لغويّان بالأساس، وعلى قدر ما تمثّل اللّغة وسيطا سيميائيّا يؤدّي التّخييل والتأويل ويمثّلهما، يثبت المتخيّل ما بينه وبين التّأويل من صلات متينة لا فكاك منها. وهذا الانصهار بين مساري التّخييل والتّأويل يجعل منهما سيرورة واحدة يلتبس فيها الذّاتيّ بالموضوعيّ. وقد يكون من غايات هذه النّدوة وأهدافها أن ترفع هذا الالتباس بين الذّات والموضوع في الجدل الإبستيمي القائم بين التخييل والتأويل، وتنظر في طبيعته.
فالتّخييل في مختلف أبعاده وتجلّياته منظور إليه من زاويتين، إحداهما زاوية الموضوع، وتخصّ المتخيّل نفسه باعتباره محصّلا علاميّا تأويليّا. والزاوية الأخرى الفعل نفسه، وتخصّ عمليّة التّخييل والتّأويل باعتبارها سيرورة نفسيّة عرفانيّة بالأساس. وعلى هذا تتوزّع محاور البحث في الإشكاليّة المطروحة على النّحو التّالي:
1- في سبيل مقاربة لسانيّة عرفانية للمتخيّل والتّأويل: يهتمّ هذا المحور بالبحث في الأسس النّفسيّة العرفانيّة لمسار التّخييل تمثيلا وتأويلا. فينظر في التّخييل بوصفه ملكة من ملكات الذّهن لها أدواتها وآليّاتها، ويبحث في صيغ التّواجه بين هذه الملكة وغيرها من الملكات. والقصد من ذلك أن نعود بالمتخيّل والتّأويل إلى بعض ما يمكن أن يكون من أسبابهما النّفسيّة مفسّرا للصّورة الّتي يخرج عليها الخطاب المتخيّل أو النّاحية الّتي يرد عليها التّأويل السّيميائيّ الرّمزيّ. وفيه ما يمكن أن يفسّر مدى تأثير المتخيّل في تأويل التّجربة الفرديّة وتحوّلها إلى تجربة جماعيّة ذات سلطة رمزيّة عرفيّة تؤثّر في فلسفة وجود المجموعة وطبيعة خطابها الفكريّ والجماليّ. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مفهوم التّخييل في هذا السّياق يختلف عن مفهوم التّخييل في الفلسفة والأدب الّذي اقترن بمفهوم المحاكاة في الفلسفة اليونانيّة وتأثيره في التّخييل الأدبيّ. وهو مفهوم استثمره العرب عموما في مجال البلاغة ونقد الشّعر. ومن أبرز المتأثّرين بمفهوم التّخييل في هذا المعنى حازم القرطاجنّي الّذي تلقّف المفهوم من بعض الفلاسفة المسلمين وعلى رأسهم ابن سينا.
على أنّ مفهوم التّخييل في أبعاده النّفسيّة العرفانيّة يرتبط أساسا بعلم النّفس العرفانيّ عموما وبنظريّة التّصوير الذّهنيّ mental imageryخصوصا. وهو ما يجعله خاصيّة مألوفة ترتبط بالتّجربة اليوميّة للبشر بوصفهم كائنات معرفنة قادرة على التّخييل. وهو مرتبط أساسا بما للعين الذّهنيّة من قدرات على تصوير الشيء تصويرا يحاكي أثر العين المبصرة أو أثر الأذن السّامعة أو ما إلى ذلك من آثار يرتبط تمثّلها في الأصل بالأنظمة الإدراكيّة الحسّيّة. ويكون لذلك صلة قويّة بالمعنى الّذي يولّده التّخييل. على نحو ما ذهب إليه غالتون (Galton) وباتس (Betts) وماركس (Marks) مثلا.
-2 النقد الأدبي بين المتخيّل والتأويل: بقدر انتفاع النص الأدبي من الرصيدين الفردي والجمعي للمتخيل نجده يعمد إلى خلخلة الحسّ المشترك المتداول وينزع إلى التفرد مؤسّسا لمتخيّله الخاص الذي قد يجد في سياقه الداخلي وحدته وتماسكه وانسجامه، كما أشار إلى ذلك المناطقة في سياق تعريفهم بالعوالم الممكنة التي لا تخرج عن هذا الحسّ من جهة أنّ العقل مصادق عليها. نقول هذا ونحن ندرك أنّ العوالم الممكنة في النصوص التخييليّة تجري على غير مجراها في النصوص المرجعيّة، فالثانية مقيِّدة والأولى خارقة. والأدب لا يقنع بالمألوف والمتداول وإن انطلق منهما، وهو خلاق باللغة والصورة والرمز..، فهو المبادر إذن بالولوج في معترك التأويل ومجاله ليبني عوالم للمتخيل فيها النصيب الأوفر وإن أوهم باستدعاء مكوناتها من الواقعيّ أو التاريخيّ.. وقد ترتقي هذه العوالم إلى درجة الرمزي وتكتسب عبر قراءاتها المتعددة أبعادا قد تنأى بها عمّا وضعه لها صاحبها أو ظنّ أنّه فعل، لأنّ فعل التأويل يغذيها ويغنيها بمعان تتجدد وتختلف مع كل قارئ وقد تتفق لوجود عناصر مشتركة قد تكون فاعلة موجهة لفعل التأويل، إذ يتخيّل القارئ بدوره، وهو يمارس العمليّة التأويليّة، عوالم ممكنة يستوعبها النص الأدبي وتسمح بها عناصره وشخصيّاته وسياقاته.. ونقصد بالعوالم الممكنة في الآن نفسه “عالم النصّ” و”نصّ العالم”: “عالم النصّ” بما هو نصّ ينشأ على نصّ بالتأويل، و”نصّ العالم” بما هو توسعة لا نهائيّة لممكنات الوجود.
ونهدف من خلال هذا المحور إلى تتبع فعل الإبداع الأدبي باعتباره قائما بدوره على عملية تأويليّة تنهل من المتخيل مادتها وتصهرها لتخرجها في هيأة مغايرة لهيأتها الأولى تكون بدورها موضوعا لتأويل ينجزه القارئ أو الناقد. وقد تصبح من ثمّ رافدا لمتخيّل جديد يقطع الصلة بالمتخيّل الحاضر أو ينصهر فيه وينميه.
-3 التجربة الحضاريّة بين المتخيل و التأويل: يبحث هذا المحور في جملة من المفاهيم الفكرية والحضاريّة في مجالات مختلفة سياسية ودينيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة ونفسيّة.. قد يكون للمتخيل والتأويل دور في تطويرها أو تشكيل دلالاتها أو حتى صناعتها وتوظيفها، فالتسامح مثلا قد يفهم استنادا إلى صور ورموز ترسخت في ذاكرة الفرد والجماعة واتخذت وضعيات مختلفة نسجت عناصرها المخيلة واحتكمت إلى تأويل نصوص بعينها قد تكون أكسبتها ضربا من القداسة والمشروعيّة، أو صنفتها ضمن الخارق والعجيب وارتقت من ثم بمنزلتها فصارت مضربا للأمثال ومرجعا للأجيال. وهو ما قد يميّز تمثّل منظومة قيميّة من مجتمع إلى آخر وإن تطابقت التسميات وتقاربت الدلالات. وكتابة التاريخ ليست بالضرورة رصدا لوقائع بقدر ما هي تمثل لها يمتح في جزء كبير منه من رصيد المتخيل ومخزونه ويستند إلى التأويل، إذ نجد مثلا نصوصا دينيّة كثيرة استدعيت لنحت معالم حادثة يفترض أنّها وقعت في التاريخ وحيكت حولها أخبار قُصد منها إعلاء هذا والنيل من ذاك وتحولت على التدريج، بفعل الزمن والتداول في آن معا، إلى حقائق وعقائد وأفرزت آدابا في السلوك وأشكالا في التديّن وأنماطا في العيش وطرائق في التفكير نقلها الجيل إلى الجيل، ووُضعت فيها المصنفات تشريعا وتبريرا وتأصيلا..
إنّ المتخيّل الناتج عن فعل التأويل أو التأويل المغترف من المتخيّل كلاهما يصبح فاعلا مؤثرا في سلوك الفرد والجماعة محفزا أو مرغّبا أو منفّرا.. مثلما يكون عنصرا هاما ومحددا لهوية هذا الفرد وجماعته، إذ يوفّران رصيدا من الرّموز والمعاني التي يتحرك في فلكها الفرد ويفهم من خلالها ذاته ويصوغ رؤيته للعالم من حوله ويتمثلهما، ولكل مجال تداولي خصوصيته ورموزه ومقاصده. وهو ما أكّدته الدراسات التي أنجزها ديران (Durand) وكاستورياديس (Castoriadis) و لوغوف (Le Goff).
شروط المشاركة:
– ضرورة الالتزام بإشكالية الندوة، والبحث في واحد من محاورها.
– أن يكون البحث جديدا ولم ينشر من قبل ولم يقدّم في ندوة أخرى أو ملتقى آخر.
– تكتب البحوث وتقدّم بإحدى اللغات التالية: العربية والفرنسية والإيطالية والأنجليزيّة.
– تكتب البحوث ببرنامج وورد (word)، بخط (Arial) بحجم 14 في المتن و12 في الهوامش للبحوث باللغة العربية. وبخط (Times New Roman) بحجم 12 في المتن و10 في الهوامش للبحوث باللغة الفرنسية والأنجليزية والإيطاليّة.
– ترسل الملخصات في الآجال المضبوطة ويقع التنصيص فيها بدقّة على محور المداخلة وموضوعها والإضافة المنتظرة منها.
– ترفق الملخصات والبحوث بسيرة ذاتية مختصرة عن أصحابها (في حدود 500 كلمة).
– يتلقى أصحاب البحوث المقبولة دعوة رسمية للمشاركة في أشغال الندوة.
– تخضع جميع البحوث للتحكيم العلمي، ويتعهد أصحاب البحوث المقبولة بإجراء التعديلات التي تقترحها اللجنة العلمية عند الاقتضاء في آجال مضبوطة.
– تتعهد الجهة المنظمة بنشر أعمال الندوة المحكّمة المقبولة.
رسوم المشاركة:
250 يورو للمشاركين الأجانب. يغطّي هذا المعلوم:
– برنامج الندوة الدولية.
– الاستراحات الصباحية والمسائية
– الإقامة بالفندق لمدّة أربعة أيام: (وجبة كاملة).
350 ديناراً للمشاركين المحليين. وتشمل:
– برنامج المؤتمر.
– الاستراحات الصباحية والمسائية
الإقامة بالفندق لمدّة ثلاثة أيام: (وجبة كاملة)
مواعيد مهمة:
– آخر أجل لاستقبال الملخصات: 31 أغسطس 2017م
– لإعلام بالقبول المبدئيّ للملخّصات: 15 سبتمبر 2017م
– آخر أجل لاستقبال البحوث: 31 ديسمبر 2017م
- يمكن التسجيل في الندوة بتعبئة نموذج التسجيل في موقع شبكة ضياء: http://diae.net/53656
اللجنة العلميّة للندوة:
الأساتذة:
محمّد بن عيّاد (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
محمّد بن محمّد الخبو (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
بسّام الجمل (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
خالد الغريبي (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
مراد بن عيّاد (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
محيي الدين حمدي (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
فيصل سعد (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
حافظ قويعة (كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس)
Giulio FERRONI (Université La Sapienza de Rome
Renato Barilli (Université de Bologne
Gerard Peylet ( Bordeaux-III
Monia Kallel (Université de Tunis
Agnès Lhermite ( Bordeaux-III
Mustapha Trabelsi (FLSHS
Kamel Skander (FLSHS
Dhifaoui Arbi (FLSHS
Monica RUOCCO (Université L’Orientale de Naples
Isabella Pezzini (Université La Sapienza de Rome
Guido Ferraro (Université de Turin
الجهة المنظمة: مخبر المناهج التأويليّة (METINT) ومخبر الدراسات والبحوث المتعدّدة المجالات والمقارنة (LERIC) ووحدة البحث في المتخيل (URIMA) بكلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس، بتعاون مع الجمعيّة التونسيّة للدراسات المتوسّطيّة (ATEM)
اسم المضيف: كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس تونس
-------------------
المصدر: شبكة ضياء: http://diae.net/53656