تقرير حول الندوة الوطنية العلمية في موضوع تكامل المعارف وتفاعل النظريات

  • فعاليات سابقة
  • عدد القراءات: 1572

  • ناشر الخبر : أوراق الفعاليات

تقرير حول الندوة الوطنية العلمية في موضوع تكامل المعارف وتفاعل النظريات- أعد التقرير: -الدكتور عبد الرحمان النوايتي - الدكتور ادريس عمراني

في إطار تنزيل وأجرأة برنامج عمله السنوي، نظم مركز المولى اسماعيل للدراسات والابحاث في اللغة والاداب والفنون ندوته الوطنية الأولى في موضوع تكامل المعارف وتفاعل النظريات وذلك يوم  الخميس 25 يناير 2018 بمركز التنشيط الثقافي أناسي بمكناس. ويأتي تنظيم هذه الندوة في الموضوع المحدد اعلاه انسجاما مع الاهداف الطموحة للمركز والتي تتمثل أساسا في النهوض بالفعل الثقافي ببلادنا والانخراط الجاد والواعي في التاسيس لمسارات جديدة لبحث علمي يعانق أسئلة وقضايا جديدة بمناولات ومقاربات ترى في التكامل المنهجي والتقاطع المعرفي مدخلا ضروريا لتجاوز الحدود الصارمة والمفتعلة بين الحقول المعرفية والتي تعود اساسا الى هيمنة خلفيات ايديولوجية اقصت العلم والمعرفة في كثير من الأحيان وأحلت محلهما الذرائع والطابوهات.

 إن اختيار موضوع تكامل المعارف وتفاعل النظريات من طرف منظمي هذه الفعالية الثقافية لم يكن بالأمر الاعتباطي، بل انه ينبع من إيمانهم براهنية الموضوع السيوسيو ثقافية وعمق أبعاده العلمية والمعرفية ، وهو ما تجلى واضحا في الاوراق العلمية لهذه الندونة والتي توزعت عبر أربع جلسات:

  فقد افتتحت الندوة أعمالها بجلسة افتتاحية ترأسها الدكتور عبد الرحمن النوايتي عن مركز المولى إسماعيل للدراسات و الأبحاث في اللغة و الآداب و الفنون، أعقبتها كلمة باسم السيد المدير الإقليمي لوزارة الثقافة و الاتصال بمكناس و التي عبر فيها عن سعادته في الانخراط في تنظيم هذه التظاهرة العلمية، و الالتزام مع جميع الفاعلين في الحقل الثقافي في تشجيع هكذا مبادرات، كما نوه فيها بهذه النوعية من اللقاءات التي تهدف إلى ترسيخ مفهوم الثقافة بمدينة مكناس العتيقة، و تعزيز دورها الريادي تاريخيا و معرفيا و تراثيا، و توجه في آخر كلمته بوافر الشكر و الامتنان إلى السادة الأساتذة المشاركين في الندوة الوطنية الأولى على تحملهم عناء السفر، و على مجهوداتهم الفكرية في إعداد المداخلات من أجل إثراء هذا المحفل العلمي ، داعيا الله لهم بالتوفيق و السداد، و أن يكلل أعمالهم و مسيرتهم العلمية بالنجاح.

 و بعد كلمة المدير الإقليمي ممثلا في شخص مدير مركز التنشيط الثقافي الدكتور عبد المجيد لحسيني، تناول الكلمة رئيس مركز المولى إسماعيل للدراسات و الأبحاث في اللغة و الآداب و الفنون  الدكتور عبد العالي السراج الذي رحب في البداية بكل الضيوف الذين حضروا أشغال هذه الندوة الوطنية، ثم عرج بعد ذلك إلى الحديث عن الطموحات المتعددة للمركز وفق خطة استراتيجية مفكر فيها، يسعى المركز من خلالها إلى التموقع في قلب التحولات و المنعطفات المعرفية العميقة التي تشهدها المعرفة الإنسانية، و ذلك بالانخراط الكلي قدر المستطاع بالمشاركة الفاعلة في إثارة قضايا و اهتمامات و أسئلة جديدة في إطار التكامل الموجود بين المعارف و التخصصات بعيدا عن وهم التخصص المحدود و المقاربة الواحدة؛ و اعتبر رئيس المركز أن تنظيم هذه الندوة يأتي في هذا  السياق تحديدا، و ختم كلمته بتوجيه الشكر لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد في تأثيث هذا اللقاء العلمي من حضور و مشاركين و مهتمين و متعاونين.

و من جانبه أعرب الدكتور إدريس عمراني في كلمة له عن اللجنة المنظمة إلى أن البحث في موضوع "تكامل المعارف و تفاعل النظريات"،  ليس ترفا فكريا، بل إنه بحث في عمق المعرفة العلمية ، أو بالأحرى إبيستمية العلوم و تقاطعاتها و امتداداتها، منبها إلى أن مركز المولى إسماعيل للدراسات و الأبحاث في اللغة و الآداب و الفنون لما عزم على إنجاز هذه الفعالية العلمية، كان على يقين تام بأنه يحاول التأكيد  على أن تاريخ العلوم الإنسانية و المعرفية هو تاريخ تعالق و تفاعل و تكامل و امتداد، و تأثير و تأثر، إن على مستوى النماذج و النظريات،  أو المقاربات و المناهج و التطبيقات. و ما هذه الندوة إلا لترسيخ العزم على تحقيق الأهداف الآتية:

أولا: فتح نقاش جاد و مثمر بين الباحثين و المتخصصين و المهتمين، غايته إعادة النظر في مجمل القضايا و الإشكالات التي يطرحها التكامل المعرفي بين جل المعارف و النظريات.

ثانيا: الكشف عن القواسم المشتركة و الامتدادات المعرفية بين العلوم ، و الوقوف على المرجعيات العلمية الموجهة لها.

ثالثا: إبراز قيمة النظرة التكاملية بين العلوم و الأنساق و النماذج، على أساس بناء معرفة متجددة و متكاملة و متفاعلة.

رابعا: استثمار الآليات النظرية لمختلف النماذج و المقاربات، و إعادة قراءتها وفق توجهات العلوم المعرفية و الأدبية الراهنة.

وقد تضمنت الجلسة الافتتاحية محاضرة في موضوع "السيميائيات وتجسير المعارف" للاستاذ الذكتور عبد الله بريمي من الكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية حيث تمحور حديث المحاضر حول الموضوع والمنهج في السيميائيات والتداخل والترابط القائم بينهما،  ذلك أن عدم إمكانية الحديث عن منهج مستقل في السيميائيات راجع بالاساس الى الوضع القلق والمضطرب الذي توجد عليه السيميائيات المعاصرة بخصوص موضوعها وهو ما أشار اليه امبرطو ايكو في مقدمة كتابه "السيميائيات وفلسفة اللغة" .

هذا الوضع القلق لا يختلف كذلك عما يوجد عليه تعريف هذا العلم، إذ يقترن تعريف السيميائية تارة بالنظرية وتارة بالمنهج وتارة أخرى بما يفيد العلم أو نقد العلم، ومرد هذا الوضع يعود وفي اعتقاد الحاضر الى كون السيميائية لا تمثل اهتماما واحدا متجانسا ولا حقلا معرفيا خالصا. فهي ملكية مشاعة لمجموعة من المجالات مثل الفلسفة واللسانيات وعلنم النفس وعلم الاجتماع، والانتربلوجيا والتاريخ والاثنلوجيا ... مما كان له الاثر البالغ في تاسيس الاطار المفهومي وبسط المرجعيات النظرية التي انبت عليها السيميائية. ان علاقة السيميائية بهذه العلوم وبالفلسفة عموما وفلسفة اللغة تحديدا هو ما جعل امبرتوايكويميز بين نوعين من السيميائيات :سيميائيات خاصة و سيميئيات عامة.

كما أوضح المحاضر فكرة تجسير وتكامل المعارف عند يوري لوتماتن من خلال تصوره لمفهوم الكون السيميائي، فهذا الكون متعدد ومنفتح ومختلف، فلا يتم تحديد الوحدات الثقافية من الوجهة التاريخية والثقافية والاجتماعية، ولكن يتم ربطها وتفعيلها ووضعها في خضم اللعب في السيرورة  السيميائية متكئة على صلتها بالفرد وبمعارفه القديمة و الحديثة و صور تفاعلها. فليس من المحتمل أن تشمل الموسوعة الثقافية شيئا جديدا تمام الجدة، ولكن من غير الشائع تماما ان تشمل الموسوعة شيئا مكرارا بتفاصيله كلها .فلعبة المعنى، وكما أكد الحاضر بالاستناد الى يوري لوتمان تتكون من المتغيرات و المتكررات جميعا، ويتلخص عمل السيميائي في تعقب هذه الشباك من الحالات التي تقع فيها اية ظاهرة ثقافية جديدة.

ولابراز صور التكامل المعرفي اوضح يوري لوتمان انه:

يجب القضاء على كل فكر يعارض او يفصل بين العلوم الحقة و العلوم الانسانية.

ان دراسة الادب اذا ما تمت بطريقة تاريخية بحثة فانها يمكن ان تدمج مع تاريخ الفكر الاجتماعي.

يلزم التفكير اثناء مقاربتنا لنصوص ادبية في التكامل المعرفي بين اللسانيات و السيميائيات و الرياضيات و النظرية المعلوماتية و نظرية الاخبار و السيبيرنطيقا و الاحصاء.

 تشكل الانساق السيمائية نماذج قادرة عاى اعطاء تفسير للعالم الذي نعيش فيه ولكل سلوكاتنا داخله. وهذا ما جعل المحاضر يؤكد على ان السيميائيات عند يوري لوتمان تعد نظرية معرفية ادراكية.

وقد اختتمت هذه الجلسة بفتح نقاش جاد و مثمر اغنى المحتويات المعرفية لهذه المحاضرة و اجلي الكثير من جوانب الارضية المعرفية لموضوع هذه الندوة.

أما الجلسة الثانية والتي ترأسها الدكتور عبد العالي السراج، فجاءت تحمل عنوان: تكامل الأدب و الفنون و تضمنت ست ورقات علمية:

الاولى للاستاذ  الدكتور عبد الاله الغزاوى عن مركز المولى اسماعيل للدراسات و الابحاث في اللغة و الاداب و الفنون و سماها ًانفتاح الملحون على الظاهرة التاريخية، و فيها و قف الباحث عن تمظهرات  التاريخي في قصيدة  الملحون وذلك من خلال مجموعة من النماذج التي ارخ فيها شاعر الملحون لمجموعة من الظواهر الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع المغربي.

اما الورقة الثانية في هذه الجلسة، فكانت للاستاذ الدكتور عبد المجيد الحسيب عن البعثة الفرنسية بمكناس اختار لها عنوان: ًالرواية و الموسيقى عند ميلان كونديرا ً حيث ابراز الباحث العلاقة بين الرواية و الموسيقى باعتبارهما مجالين معرفيين مختلفين و ذلك من خلال الاراء النظرية  و النقدية للكاتب ميلان كونديرا على اعتبار ان لهذا الكاتب الى جانب نصوصه الروائية مجموعة من الاعمال النظرية مثل ًفن الرواية ً, الوصايا المغدورة، ًالستارة ً و ًلقاء ً و غيرها. هذه الكتب بالاضافة الى كونها تحتوي على وجهة نظر الكاتب من فن الرواية فهي تحتوي كذلك على حيز ليس باليسير على علاقة الموسيقى بالرواية. فلقد قارن كونديرا في بعض اعماله النظرية بين تاريخ الرواية و تاريخ الموسيقى ولاحظ بأنه بقدر ما أن الموسيقى الكلاسيكية خانت التراث الثروالغني للمرحلة ما قبل الكلاسيكية، فان رواية القرن19 التي قامت على جماليات الاحتمال خانت هي الاخرى التراث السردي و القصصي للقرن18 وفد اكد الباحث في هذه الورقة الى انه و مثلنا نزغت اصوات موسيقية معاصرة تنهل من الابار العميقة لمرحلة ما قبل الكلاسيكية مثل سترافنسكي الذي لم يحظ برضا نقاد الموسيقى الكبار,فقد برن في المقابل روائيون و جدوا ضالتهم في نصوص القرن18 مثل كافكا, فونتيس,ماركيز,سلمان رشدي,هرمان بروخ و غيرها.

وقد خلص الكاتب و الناقد عبد المجيد الحسيب، و بعد الوقوف على راي ميلان كونديرا في شبكة العلاقة التي تنسجها الرواية مع فنون أخرى، إلى أن الروائيين المعاصرين تمكنوا من الانزياح بفن الرواية من نسيج الخط الواحد و الصوت الواحد نحو عالم رحب يحتفي باللعب و التعدد و الهزل متمردين بذلك على مواثيق الكتابة الروائية الواقعية و مؤسسين لمواثيق جديدة في الكتابة.

اما الورقة الثالثة في هذه الجلسة العلمية، فكان للأستاذ الدكتور عبد الله احادي و حملت العنوان التالي:الشعري و السردي رؤى متقاطعة.

هذه المداخلة التي حاول من خلالها مقارنة سؤال الدلالة في بعدها الجمالي بغض النظر عن الجنس الإبداعي شعرا أو سردا،عبر اجتراحها للعملية الإبداعية في كليتها وكيف يسهم القارئ في إنتاج الدلالة وفك شفرات الشعري في السردي والسردي في الشعري، كما حاولت الورقة ايضا الاجابة عن سؤال الجامع الجمالي والمعرفي والتخييلي بين الانساق والسياقات والمكونات القارة والمتغيرة المشكلة للشعري والسردي معا .

ان هذه الاسئلة وكما أكد الكاتب /الناقد، من شانها تعرية الحدود المرسومة /المهدومة بين الشعري والسردي، علما أن كلا منهما يهدف الى تقديم رؤى كونية من شانها الكشف عما يجعل من النص عالما قابلا للسؤال وحياة مشعة بأمل الوجود والكينونة، وهي واحدة من بين وظائف جمة يهدف الإبداع إيصالها إلى متلق شغوف بالقراءة ومنكب على طرق باب السؤال واشكلة العالم، ليغدو السردي والشعري بابا من ابواب الهدم والبناء هدم المعتاد وبناء الممكن والمحال إبداعيا.

 أما بخصوص الورقة الرابعة فكانت للاستاذ الدكتور عبد الرحمان النوايتي من مركز المولى اسماعيل للدراسات والابحاث وحملت العنوان  التالي :" الأدب والفلسفة : جدل الجمالي والفكري، حيث وقفت هذه الورقة في أحد محاورها على العلاقة التاريخية القائمة بين الادب والفلسفة والتي تضرب بجدورها في الفكر اليوناني انطلاقا من كتاب "فن الشعر" لأرسطو والذي يعتبر مرجعا لتلك العلاقة بين الشعر كإبداع جمالي وفني وبين الفلسفة باعتبارها ام العلوم، كما عرج الكاتب/ الناقد في هذه الورقة على الدور الذي قام به رواد المقارنة الادبية في الابانة عن القواسم المشتركة القائمة بين الادب كتعبير جمالي وبعض المجالات الفلسفية كعلم الاجتماع وعلم النفس وفلسفة التاريخ .

أما في محور ثان من هذه الورقة والذي جعل منه الباحث عملا تطبيقيا فقد وقفت الورقة على مجموعة من النماذج الروائية التي تؤكد بحق تعالق الجمالي الابداعي بالثقافي الفكري في الكتابة الروائية من خلال رواية "العلامة" لبنسالم حميش ورواية "الفريق" لعبد الله العروي ورواية "مرايا الذاكرة" لعلي أمليل.

ففي الأولى (العلامة) يركب بنسالم حميش مطية السرد للتاصيل لفلسفة التاريخ في الفكر الخلدوني ويجعل منه مدخلا لفلسفة جديدة تنبني على رؤية مغايرة للحداثة  تنأى بها عن الوقوع في الغريب. انها فلسفة التحديث من خلال التاصيل.

اما في الثانية (الفريق) فقد جعل المفكر والمبدع عبد الله العروي من الابداع الروائي مجالا لعرض الكثير من رؤاه ومواقفه الفكرية حول العديد من القضايا والإشكالات الثقافية التي تلقي بظلالها على الراهن والمستقبل العربي والتي تكتسي طبيعة نسقية تمتد في كل ازمنة الثقافة العربية الماضي والحاضر والمستقبل .

اما في الثالثة (مرايا الذاكرة) فان علي امليل اتخذ من السرد الروائي مجالا لمحاورة ومجادلة ونقد الكثير من الاسس المعرفية والوجودية والايديلوجية للسؤال الثقافي العربي في ماضيه وراهنه وافاقه المستقبلية

اما الورقة الخامسة والتي وسمها الاستاذ الدكتور عبد الرحيم أخ العرب من المدرسة العليا للاساتذة بمكناس ب "الأدب والسينما أية علاقة؟ فقد تناولت مختلف أوجه الترابط القائمة بين الفنون المكتوبة والفنون البصرية , كما تناولت الورقة قنوات العبور التي يقطعها النص الادبي المكتوب ليتحول إلى نص سينمائي معروض وهو عمليةتحويل الثابت والساكن الى متحرك وبنائي يسائل المتلقي بلغة الحركة والاشارة والامائة .

ان العلاقة بين الادب والسينيما من وجهة نظر الكاتب /الناقد هي علاقة  تؤثثها وشائح وروابط جمالية وثقافية عميقة تدعو الناقد والمتلقي إلى البحث فيها لاستكناه حقيقية الجدل القائم بين الفنون المكتوبة والفنون السمعية البصرية في الثقافة الإنسانية.

 أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة، فكانت للأستاذ الدكتور عبد المجيد الحسيني من وزارة الثقافة والاتصال بمكناس وجاءت تحمل العنوان التالي :" تفاعل المسرح والفنون البصرية بحث في التقاطعات التاريخية والجمالية"، حيث اعتبرت المداخلة أن الفن هو القاسم المشترك بين المسرح والفنون السمعية البصرية، فالفن من هذا المنظور يوجد بين هذين المجالين لانه يرتبط بالانسان كمبدع ومنتج كما أن في معظم اللتجارب المسرحية القديمة والحديثة كانت بصمات المبدع حاضرة من خلال هذا التداخل بين السمعي البصري والمسرحي، فالفن يعبر عن انتاج انساني يرتبط بشخصية المبدع الذي ينتج عبر الاحساس والرؤية عملا ادبيا او بصريا أو سمعيا ويؤطرها في الجنس الذي ينتمي اليه سواء كان كاتبا مسرحيا او مصمم مناظر مسرحية او رساما او موسيقيا أو موزعا للاضاءة والصوت .

ان القاسم المشترك بين الفنون والمسرح هو انها تعتمد على الحس الجمالي وعلى مادته التي تبرز لنا تصوره ورؤيته للمجتمع وللإبداع، وهذه القاعدة الأساسية هي التي برزت في الاتجاهات المسرحية الكلاسيكية والواقعية والعبثية والرمزية والوجودية والملحمية والتي مارس معظم روادها المسرح وسعوا في تجاربهم الى ابراز هذا التداخل بين السمعي البصري حتى حدود القرن العشرين حيث برز تأثير التكنولوجيا واضحا واتضحت معه معالم التداخل بين السينما والمسرح وتطور فن الانارة والموسيقى التصويرية من خلال استخدام الشاشة الخلفية. وهذا ما أصبح واضحا من خلال مجموعة من التجارب العالمية والعربية والمغربية .

واختتمت هذه الجلسة العلمية بنقاش القى الضوء على كثير من الاسئلة والاشكالات المرتبطة بهذا المحور من هذه الندوة العلمية .

 و في الجلسة العلمية الثالثة التي خصصت للأبحاث اللسانية بعنوان "اللسانيات و تفاعل النظريات" برئاسة الدكتور عبد الكبير الحسني عن كلية الآداب و العلوم الإنسانية ببني ملال، فقد تناول فيها المحاضر الأول الدكتور إدريس عمراني بمداخلة عنونها ب" تفاعل النظريات بين اللسانيات و علم النفس المعرفي" مبينا في جوهرها أن موضوع اللسانيات ليس اللغة تحديدا بل الجهاز الذي يولد اللغة، و بهذا المعنى أصبحت اللسانيات فرعا من علم النفس المعرفي، مما جعل اللسانيات بنظرياتها المختلفة تنخرط من بين علوم أخرى في حقل علوم المعرفة المعاصرة بموجب انشغالها بالإشكال المتعلق بتحديد بنية العقل البشري و طريقة عمله. و هذا يستوجب حصرا- حسبه- التوقف عند كل من النظرية التوليدية التحويلية بنماذجها المختلفة، و كذا النظرية الوظيفية بنماذجها المطورة، مع بسط المقاربة القالبية بين اللسانيات و علم النفس المعرفي و التحديات التي تطرحها في هذا الاتجاه. ثم تلتها كلمة المحاضر الثاني الدكتور عبد الحق العمري قدم فيها عرضا موسوما ب" اللغة في البرنامج الأدنى" ، و تناول فيه ثلاث نقط رئيسية حيث تحدث في النقطة الأولى عن تصور تشومسكي الجديد للغة في البرنامج الأدنى باعتباره آخر برنامج في الأبحاث التوليدية، ووضح أن اللغة إجراء توليدي يولد العبارات اللغوية، و هذه العبارات عبارة عن صوت و معنى، و تقدم اللغة المعلومات إلى الأنساق الخارجية: النسق النطقي الإدراكي، و النسق التصوري القصدي، و ذلك في مستويين وجيهين، و جيهة الصوت أي الصورة الصوتية، ووجيهة المعنى أي الصورة المنطقية. و بين في النقطة الثانية وظيفة اللغة في تصور تشومسكي باعتبارها نسقا معرفيا يعبر عن الفكر، و ليس من المناسب حسب تشومسكي النظر إلى اللغة باعتبارها نسقا للتواصل، إنها نسق للتعبير عن الفكر، و يمكنها طبعا أن تستعمل للتواصل. و بين في النقطة الأخيرة  تصور تشومسكي لاشتقاق العبارات اللغوية في البرنامج الأدنى، و ذلك اعتمادا على مبادئ الاقتصاد و المحلية و التأويل التام. أما المحاضر الثالث الدكتور عبد العالي العامري فقد شدد في مستهل ورقته البحثية التي  اختار لها عنوان "دلالة الفضاء بين علم النفس المعرفي و علم النفس التطوري" على بيان التعالق الإبيستيمولوجي بين دلالة الفضاء و علم النفس المعرفي انطلاقا من أعمال جاكندوف(1983) و(1990)(2002) من جهة، و بين دلالة الفضاء  و علم النفس التطوري انطلاقا من أعمال ماندلر (1996) و (2004) و بورمان و شوا(1991) من جهة ثانية. كما عمل على دراسة جانب معرفي يتعلق بعنصر اكتساب التصورات و العلاقات الفضائية لدى الأطفال و البالغين من وجهة نظر مقارنة معتمدا في ذلك على منهج إحصائي. و أعقبت هذه المداخلة بحث تقدم به المحاضر الرابع الدكتور عمر المغراوي وسمه ب "اللسانيات التوليدية و تكامل المعارف"، والذي استهله بالإشارة إلى أن اللسانيات التوليدية عرفت تقدما هاما في السنوات الأخيرة على المستوى المعرفي و على المستوى المنهجي، فعلى المستوى المعرفي انصب الاهتمام على دراسة أنظمة التمثيل الذهني، و على المستوى المنهجي كان هناك سعي دائم نحو دمج النحو التوليدي في مجال علم النفس و علم الأعصاب الإحيائي، و غيرها من العلوم الأخرى، وبذلك تم بناء تكامل معرفي جديد. و في هذا السياق شكل البرنامج الأدنى أحد أبرز التشكلات الجديدة في تجديد معالم المعرفة اللغوية الجديدة. و عموما خلص الدكتور عمر المغراوي في مداخلته إلى أن أعمال تشومسكي عن النحو التوليدي تعد إطارا منهجيا و معرفيا لدراسة اللغات الطبيعية، كما تشكل إطارا حقيقيا للتعامل المتبادل بين اللسانيين و السيكولوجيين و البيولوجيين. و في مداخلة أخيرة مبرمجة ضمن أعمال هذه الجلسة، تناول الكلمة الدكتور سليمان زين العابدين في موضوع اختار له عنوان" مباحث صوتية بين علم الأصوات و البلاغة"، و قد استهله الباحث بالحديث عن علم الأصوات و اعتبره الحجر الأساسي لأية دراسة لغوية مشيرا إلى الاهتمام و التطور الكبير الذي شهده الدرس الصوتي منذ الخليل بن أحمد الفراهيدي و سيبويه و ابن جني إلى غاية العصر الحديث. كما نبه في صلب دراسته إلى ضرورة الاعتناء بمعالجة نقطة اعتبرها في غاية الأهمية، و تتمثل في إبراز العلاقة القائمة بين علم الأصوات و البلاغة من خلال بعض المباحث الصوتية ممثلا له بالانسجام الصوتي و اعتبره أحد ظواهرها، دون أن يغفل مسألة الجناس في البلاغة العربية الذي يشكل- على حد تعبيره- ظاهرة من الظواهر اللغوية المعروفة في اللغة العربية. و قد حاول أن يختتم عرضه المتميز بتقديم أمثلة توضيحية لتداخل بعض المباحث الصوتية بين علم الأصوات و البلاغة.

و هكذا اكتمل عقد المداخلات في هذه الجلسة العلمية الماتعة بفسح المجال للحضور لإبداء ملاحظاتهم و وجهات نظرهم حول العروض المقدمة، و التي أغنتها بمداخلات و طروحات كانت غاية في الرصانة و الجدية.

أما الجلسة الرابعة من هذه الفعالية العلمية فتضمنت تقديم وتوقيع مجموعة من اصدارات بعض أعضاء المركز منها كتاب " تمظهرات العبث في مسرح محمد تيمد " للدكتورة بشرى السعيدي والذي قدم قراءة لمضامينه المعرفية والمنهجية الأستاذ الدكتور عبد العالي السراج حيث أشار في بداية مداخلته إلى تعدد وتنوع اشتغالات واهتمامات الدكتورة بشرى السعيدي التي تتنوع وتتوزع بين الشعر والسرد والمسرح، فهي تكتب من خلال هذه التنويعات المتباعدة مع الوعي العميق بالفروق بين افاق الاشتغال في كل مجال منها على حدة. وقد أكد الكاتب/ الناقد أن الكتاب موضوع القراءة يعتبر إرهاصا من إرهاصات هذه التجربة المتعددة ولكن بتميز خاص يجد امداؤه في الاشتغال على تجربة مهمة في المسرح المغربي هي تجربة محمد تيمد بأسئلة خاصة هي أسئلة ثقافة المؤلفة كناقدة ومبدعة ومتتبعة وهو ما أهلها لقراءة هذه التجربة، تجربة الغموض والعبث المتأثرة والمتفاعلة مع تجربة مسرح العبث في الغرب والذي احدث كما يقول الكاتب/ الناقد عبد العالي السراج، هزة عنيفة مست عمق المسرح. وقد اكد السراح على القيمة المعرفية لهذا الكتاب والتي تكمن في نظره في اعتباره مرجعا أساسيا يمكن العودة إليه للإفادة والفهم لانه كتاب محكوم بخلفية معرفية ملمة بتفاصيل وخصوصية تجربة محمد تيمد، كما أن الكتاب، وكما ختم الكاتب الناقد هذه القراءة، يعد بحق تاكيدا لظهور باحثة تتجدد دوما بتجدد اسئلتها التي تعتبر مفاتيح لآفاق جديدة للتأمل.

أما الكتاب الثاني الذي تم تقديمه في هذه الجلسة فهو كتاب "تنغيم الجملة في اللغة العربية " دراسة اكوستيكية للاستاذ الدكتور سليمان زين وقد قام بتقديم القراءة في هذا الكتاب الاستاذ الدكتور عمر المغراوي الذي أكد ان الكتاب يندرج ضمن حقل الدرسات اللسانية الحديثة التي تعتمدعلى وضع معايير جديدة لضبط وتبيان الخصائص الاكوستيكية لبعض الملفوظات التنغيمية .

ان الميزة العلمية والمعرفية لهذا الكتاب تكمن كما أكد الدكتور المغراوي في تناوله الدقيق لمفهوم التنغيم باعتباره ظاهرة تطريزية في الجمل الانشائية في اللغة واعتماده على التحليل الاكوستيكي في الدراسة التطريزية للجملة العربية .

ضمن هذا التصور المعرفي اللساني يطرح الدكتور زين العابدين وكما تؤكد هذه القراءة مجموعة من الاشكالات والقضايا اللسانية المعاصرة منها:

ما موقع ظاهرة التنغيم في الدرس الصوتي القديم والحديث؟

ما علاقة الاكوستيكي ؟ وما هي اهم الدراسات الاكوستيكية السابقة؟

ما هو المستوى التنغيمي النموذجي الذي يتخذه كل ملفوظ من الملفوظات قيد الدراسة؟

تلك اذن مجموعة من الاسئلة والاشكالات التي يطرحها الكتاب والتي حاول وفق مقاربة علمية لاتخلوا من الجدة والجدية في مقاربتها وتقديم إجابات بشأنها تجعلنا، كما يبرز الدكتور المغراوي, نؤكد بان كتاب " تنغيم الجملة في اللغة العربية " يعد بحق اضافة نوعية للمكتبة العربية عامة والدراسات الصوتية الحديثة خاصة، كما انه سيفتح أفاقا مستقبلة للبحث في الظواهر التطريزية اعتمادا على المقاربة الاكوستيكية في دراستها وتحليلها.

اما الكتاب الثالث الذي تم تقديمه ضمن فعاليات هذه الجلسة الاخيرة من الندوة العلمية الاولى لمركز المولى اسماعيل للدراسات والابحاث في اللغة والادب والفنون، فهو كتاب "السرد والانساق الثقافية" للاستاذ الدكتور عبد الرحمان النوايتي ، والذي تناولته قراءة الدكتور عبد المجيد الحسيب، تلكم القراءة التي اوضحت ان الكتاب يتضمن بابين، باب نظري وأخر تطبيقي.

 الباب الاول خصصه الكاتب / الناقد، كما تقول قراءة الدكتور الحسيب لبسط وعرض الكثير من المفاهيم النقدية والثقافية مثل الأدب المقارن، الأدب العالمي، الترجمة، المثاقفة، وغيرها من المفاهيم الوثيقة الصلة بالمفهوم المركزي الذي اشتغل عليه الكاتب وهو النقد الثقافي. وبعد جرده لاهم الاعلام التي اشتغلت على هذا المفهوم عالميا انتقل الى العالم العربي ووقف عند بعض الاسماء مثل ادوارد سعيد وعبد الله الغدامي .

وقد اكد الكاتب/الناقد، تقول قراءة الدكتور الحسيب، ان النقد الثقافي جاء بعد افول النظريات البنيوية، بالرغم من انه استند على مجموعة من المفاهيم النظرية للبنيوية، كما راهن من بين ما راهن عليه، على إعادة الاعتبار لمجموع الانساق الثقافية التي ترهن النصوص سواء كانت ادبية او غير ادبية.

اما الباب التطبيقي من هذا الكاتب، يؤكد الدكتور الحسيب، فقد خصص لعقد مقارنة جمالية وثقافية بين متون روائية للروائي المغربي بنسالم حميش اهمها رواية " العلامة"  ورواية ً " محن الفتى زين شامة ً و اخرى للروائي الاسباني خوان غوتيصيلو لعل أبرزها رواية " أسابيع الحديقة" و "حصار الحصارات"، وخلص إلى أن لهدين النصيف و شائج كثيرة كالانفتاح على التراث السردي و التاريخي و الانزياح عن التقاليد السردية المألوفة و المعتادة. وقد اعتمد الكاتب/ الناقد في هذا الباب على مفهوم نقدي أساسي هو  ًشجرة الأدب ً الذي اجترحه الكاتب الاسباني خوان غوتيصيلو من اجل تحرير الادب و الثقافة من وهم الانتماء الوطني او القومي وربطهما بما هو كوني و انساني بشكل عام.

كما تضمن هذا الباب جردا لمجموعة من الأنساق الثقافية المضمرة في الكتابة الروائية و التي تعتبر مشتركا ثقافيا يحضر في الكتابة الروائية بغض النظر عن اي انماء جغرافي او عرقي أو طائفي منها: النسق الديني( توظيف التصوف في الكتابة الروائية) والنسق السياسي( من خلال علاقة المثقف بالسلطة) والنسق التاريخي( توظيف السرد التاريخي وفلسفة التاريخ في الكتابة الروائية).

وقد اختتمت فعاليات هذه الندوة العلمية في أجواء أثثتها القيم الأصيلة لمحبي العلم والمعرفة وخدامهما الأوفياءز


ملفات مرفقة


صور مرفقة